الشهيد فيصل أبو ليلى..”القصة من البداية إلى النهاية”
استشهد، وهو من عائلة وطنيّة معروفة، كان يعمل ميكانيكيا، انضم للثورة سراً في منبج بداية 2011، وكان مخلصاً لفكر الـPKK حتى استشهاده، أحد أشقاءه من شهداء حزب العمال الكردستاني PKK، وبعد استشهاد أبو ليلى حمل شقيقه الآخر السلاح وتوجه إلى منبج ولكن تم أسره من قبل داعش ونُشر مقطع مصور عنه وبعدها انقطعت أخباره.
تقول زوجته “دجلة”: في بداية الثورة قام أبو ليلى ببيع منزلنا في منبج بربع قيمته ليشتري السلاح لأن PKK كان ضعيفاً حينها، ولم يستطع تقديم السلاح، والسلاح كان ضروريا جداً، وقد أسكن عائلته مع عائلتين في منزل أجرة، لدينا أربعة بنات، الكبيرة هي ليلى ثم رهف وسرهلدان وخويندان الصغيرة كان عمرها 14 يوماً عندما جُرح أبو ليلى، وسميت خويندان لأننا قدمنا أغلى ما نملك. وليلى الكبيرة تتمنى أن تصبح طبيبة، تداوي رفاق والدها في الجبهة، بينما تتمنى الصغرى أن تحارب في الجبهة. ليلى في الصف الأول الابتدائي وتريد أن تحقق حلم والدها بأن تصبح طبيبة.
وتتابع أم ليلى:” كان أبو ليلى انساناً اجتماعياً ومتواضعاً، يجالس الكبار والصغار، ومستعد للجلوس والنقاش مع أي شخص، وما كان يرى نفسه قائداً عسكريا. هو ابن عمي، انضم للثورة بعد إن أنجبنا طفلتين، سأجانب الحقيقة إذا قلت بأني لم أمنعه بداية الأمر، لكنه كان يردّ علي بأنه لا يستطيع أن يترك دماء رفاقه الشهداء تذهب سدىً، وكان يقول لي هناك أمور لا تعلميها، ولكن يجب أن أذهب، فكنت أشجّعه على الذهاب وأدعو له. كان عصبياً جداً وصاحب حقّ، ولكنه كان حنوناً معي ومع الجميع. له ثلاث أخوة أكبر منه واثنان أصغر منه ولكنه هو من كان يدير شؤون العائلة، وكانت أمور العائلة كلها في يده، ولم يقصر في خدمة أولاده وبيته، ولم يدعنا نحتاج لأحد حتى بعد استشهاده، العائلة بأكملها تتبنى فكر القائد أوجلان، وكان شقيقه من مرافقي القائد واستشهد، وللعائلة الكثير من الشهداء”.
الثـورة والبدايات
نظم الشهيد أبو ليلى الحركة الكردية في منبج بداية الثورة، ثم توجه لحلب وقاتل النظام وشكّل مع عبدو مصروع جبهة الأكراد، كانوا يقاتلون النظام حينها، وحرروا وقتها الإطفائية وقسم المخابرات، وقاوم في الأشرفية لستة أشهر تعلم فيها مقاتلو جبهة الأكراد قتال الشوارع، وغدا كل عنصر منهم كادراً متمكنا في قتال الشوارع، وناضلوا كثيراً في ريف حلب الشمالي، ثم عادوا لمنبج، وعندما رفضت غرفة عمليات حلب التي تأسست عام2012 قبول جبهة الأكراد بينهم لأنهم كرد، انسحب وعاد هو ورفاقه لمنبج وذهب قسم منهم إلى عفرين، وغيروا اسمهم لأحرار سوريا ليقاتلوا مع الجيش الحر ويفهموا تكتيكاتهم، وبقيت جبهة الأكراد بقيادة عبدو مصروع في حلب.
أكمل نضاله مع أحرار سوريا في منبج حتى وصول داعش إليها 2013 وكان أحرار سوريا آخر فصيل مقاوم في منبج ضد داعش، حيث كان هناك 88 فصيلاً للجيش الحر في منبج، وعندما اقتربت داعش تقرر توحيد هذه الفصائل جميعها لمقاومة داعش، ولكن جميع تلك الفصائل ما عدا “أحرار سوريا” قاموا بمبايعة داعش سرا، وهاجموا أحرار سوريا مما اضطر الأخير للانسحاب من منبج واستقروا في قرية قرقوزاك وبقي فيها مقرّهم، ثم انسحبوا الى قرية “قروج” إلى أن هجمت داعش على كوباني في 15 أيلول، فقاوم في كوباني، واستشهد ثمانية من رفاقه فيها حيث كان عددهم حوالي المئة.
وسائل إغراء وإغواء تركيّة:
حاول الأتراك كثيراً إغراء أبو ليلى بالمال للانسحاب من كوباني، وذلك بعرض الرواتب والأموال وأشياء أخرى عليه، لكن أبو ليلى رفض، وقال لهم: ماذا سأقول لذوي رفاقي الشهداء!؟ هل أقول قتلت أبنائكم وهربت!؟ تقول زوجته.
ويضيف زميله:” كما عرض عليه عبدالجبار العكيدي أيضاً مبالغ كبيرة من المال إضافة إلى المنصب، حيث قال له بالحرف الواحد: انسحب من كوباني، وسننصبك قائداً علينا جميعاً، فقط انسحب. لأنه كان يعلم أنه بانسحاب أبو ليلى ستنتهي المقاومة في كوباني.
حادثة المعبر الحدودي.. تراسيم البطولة
وعن حادثة المعبر الحدودي بين كوباني وتركيا تقول زوجته دجلة حسبما روى لها الشهيد أبو ليلى أنه كانت هناك عدّة نقاط حدودية أحدها للرفيق صلاح الدين والثانية لأبو ليلى وأخرى للرفيق حقي والرفيق ميرخاس، وفي 29 تشرين الثاني 2014 كانت أجواء سوق الهال هادئة ولا يوجد فيها أي حركة رغم أنهم رموا عليها بعض الطلقات. رأوا مركبة عسكرية من نوع “زيل” خرجت من قرية “عتماني” المقابلة لحي “كانيا كردا” في السادسة صباحاً فكانوا يراقبونها، ورموها بالأسلحة الخفيفة، ولم تنفع لأنها كانت مصفحة، فتوقعوا بأنها تتجه لسوق الهال، فقام هو والشهيد عكيد والشهيد ريناس والشهيد غمكين وهم من المجموعة المؤلفة من عشرة أشخاص التي أتت من حلب واستشهدوا جميعا في كوباني، ما عدا الشهيد غمكين الذي جرح فقط، فحاولوا الاتصال مع الرفاق ولم يستطيعوا فتوجهوا للرفيق صلاح الدين، وقالوا بأنها ستنفجر في المعبر وسنقاوم بقدر استطاعتنا.
يقول أحد مرافقيه الذين كانوا معه: ” دخلنا المعبر ولم نلاحظ أية حركة، فقمنا برمي قنابل في كل الغرف عبر النوافذ،حينها حدثت بعض الحركة، فجّرنا كل ما فيها من غرف دون أن نعلم عدد من قتلوا فيها، دخل أبو ليلى في غرفة طويلة كممر هو ورفيقه عكيد، سمع أبو ليلى صراخ عكيد خلفه ولكن لم يستطع الرجوع إليه، فقام بقتل شخص منهم، ورفع القناع عن وجه المقتول، وإذ به من “المِيت” التركي وليس من داعش، وهذا ما أكدته الصحافة الفرنسية أيضاً. وبعد أن مشّط المنطقة لحق به رفاقه، وكان لدينا جرحى منهم عكيد خشو، حيث أسعفنا الجرحى تحت التهديد إلى تركيا، وأصيب أبو ليلى بطلقة “إم سكستين” في المعبر، وكان الجرح خطيرا، فقد اخترقت الطلقة الكلية، والأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة وخرجت من الطرف الآخر، وتم نقله إلى سروج مباشرة”.
محاولة اغتيال أثناء العمل الجراحي:
بعد نقل الشهيد أبو ليلى إلى سروج، تم محاولة اغتياله في المشفى من قبل “المِيت التركي” أثناء خضوعه للعمل الجراحي، وتلك المحاولة أربكت الطاقم الطبي، ولم يتمكن من القيام بالمطلوب، على أكمل وجه، حيث فتحوا الجهة السليمة من خاصرته، ثم أعادوا خياطتها بسبب تلك الظروف، وتمّ نقله على إثر ذلك وبتلك الحالة إلى أورفة، وهناك استكملوا ما تبقى من عمل جراحي، وتمّت محاولة اغتياله ثانية، فتمّ نقله هذه المرّة إلى آمد، إلى مشفى غير معروف.
وتتابع زوجته:” قمنا حينها بالنشر على الأنترنت أن أبو ليلى استشهد، وذلك كي يكفّ “الميت التركي” عن ملاحقته، وقمنا بتغيير لقبه في السجلات من عبدي إلى عبدو، حتى رفاقه الحزبيين لم يكونوا ليستطيعوا أن يولوه ذلك الاهتمام المطلوب خوفا من أن يُشكّ في أمرهم، وبقي 47 يوما في ذلك المشفى، تعذّب أثناءها جدّاً بسبب وضعه الصحّي، وكانت تنتابه نوبات هستيرية من الوجع الذي لا يحتمل فكان يهذي بأشياء وأشياء، وحين نخبره بذلك بعد أن تزول النوبة، يتعجب، كيف حدث كل هذا.
وتضيف أم ليلى:” تصوّروا أن الدكتور الذي كان يعالج الشهيد أبو ليلى كان متعاملا مع الأتراك، دون أن يعرف أن المعالـَج هو أبو ليلى، وكان يسأل أبو ليلى عن وضع كوباني، فيردّ عليه أبو ليلى: داوني وستعرف ما هو وضع كوباني. هناك، في ذلك المشفى، تحسّنت حالته قليلا، فقمنا بتخريجه من المشفى، لكن عادت حالته وساءت ثانية، فأخذناه إلى مشفى آخر، طبعاً في هذه الفترة كان رفاقه من الحزب سندنا الأول في كل شيء”.
وفي الفترة الأخيرة نقله الرفاق إلى مشفى آخر في آمد وبقي هناك لإحدى عشر يوم حيث أجريت له عملية في كليته، وكان المشفى يعود إلى رفاقه في الحزب، لكن الأتراك حاصروا المشفى، واقتحموه دون أن يخرجوا بشيء، فقد كان أبو ليلى قد خرج منذ أكثر من ساعة، وبعد يومين فقط غادرنا تركيا، ولم تتحسن حالة أبو ليلى الصحيّة بعد، وكان ذلك في العاشر من آذار، وحين عدنا أجري له عملين جراحيين هنا أيضاً.
أثناء مجزرة كوباني الأخيرة، لم يكن أبو ليلى قد تعافى، وكان لا يزال يمشي بواسطة العكازات، أعلمتنا الرفيقة شيلان بأن داعش تسلل إلى كوباني وارتكب مجازر وعلينا اتخاذ احتياطاتنا، فوقفت أنا وإياه على هذه الشرفة، وقمنا بتجهيز وإعداد سلاحه، وكان الرفاق حينها قد حاصروا المتسللين ، وكان قد بقي أحد القناصين في المدرسة الثانويّة، وكانت أعلى نقطة في المدينة، فقام أبو ليلى بشلّ حركة القناص من هنا، ولولا أبو ليلى لقتل هذا القناص الكثير. بقي أبو ليلى فوق سطح البيت من الصباح إلى المساء حيث تسلل الرفاق إلى المبنى وتم القضاء على عناصر داعش.
حملة منبـج.. وتراتيل الشهادة
حين بدأت حملة منبج، ولم يكن الأتراك حينها موافقين على دخول الكرد إلى الطرف الآخر، قائلين أن حدّهم هو ما قبل السدّ، وبما أن أبو ليلى قاتل في منطقة ذات أغلبية عربية، واسمه أيضاً يوحي بأنه عربي، وخاصّة أن كتيبته كانت ضمن ألوية كتائب فجر الحريّة المسماة بشمس الشمال وتحسب كفصيل على الجيش الحر، فاتفق الأمريكيون والأتراك على ترأس أبو ليلى لحملة منبج كونه منها وأنه ذاهب لتحرير بلدته فلا تستطيع تركيا معارضة ذلك، وهكذا قاد تلك الحملة.
أما الرواية الأخرى فكانت أنه بما أن أبو ليلى ساعد الكرد في تحرير كوباني فالـYPG ” ” و الـ “YPJ ” أيضاً سيردون له الديْن بمساندته في تحرير منبج، لذا أعلن عن تشكيل مجلس منبج العسكري وترأسها أبو أمجد لأن أبو ليلى كان قائداً للحملة، وعلى هذا الأساس تم إقناع الأتراك بالسماح لبدء الحملة.
بدأت الحملة بتقدم بشكل سريع ووصلوا إلى قرية “أبو جلجل” وقبلها توجد قرية اسمها “ختي أبو جلجل”، وعندما حررها الرفاق وقعوا في كمين، كانوا خمسة أشخاص، عضوين من كتائب شمس الشمال، وعضوين من وحدات حماية الشعب، ومقاتلة من وحدات حماية المرأة، دخلوا القرية على أساس أن القرية خالية، ولكن عندما فتحت البوابة الحدودية دخل أكثر من 50 داعشي، وأحاطوهم وحاصروهم. كان أبو ليلى ممنوعاً حينها من القتال بسبب العملية الجراحية التي أجراها مؤخراً، ولكن حينما سمع بخبر محاصرة رفاقه، لم يتمالك نفسه، وذهب أبو ليلى لنجدتهم، بالرغم من محاولات الرفاق لمنعه.
يروي الرفاق الذين أنقذهم أبو ليلى من الكمين، كيف ضرب أبو ليلى البيت الذي فيه الخمسين داعشي بالسلاح الثقيل والدوشكا، وكيف لم يستطع أحد من الخروج، بل أحرق البيت بمن فيه.
وعند عودة أبو ليلى إلى النقطة التي انطلق منها استُهدف إما بقذيفة هاون أو بصاروخ حراري، وكان حينها قد جلس للتوّ بين رفاقه، ويكون أبو ليلى بذلك قد استشهد في سبيل تخليص رفاقه من الكمين، والمضحّي من أجلهم.
أبو ليلى شهيداً…..
“تم نقل الشهيد أبو ليلى على متن حوامة أمريكية إلى مدينة السليمانية للمعالجة، لكنه أستشهد جراء
الإصابة البليغة”
تتنهد أم ليلى بحرقة وهي تمرر ما تبقى من بقايا شريط الذكريات أمام عينيها قائلة أن العائلة كانت تعلم بخبر إصابته ولم تخبرني. ويضيف زميله: اتصل معي أبو عادل الذي يقود كتائب شمس الشمال وقال بأن أبو ليلى مصاب، وأتوا به إلى المشفى العسكري الميداني وكان فيه أمريكيون، ثم نقل إلى مشفى بكوباني، حيث أخذه الأمريكيون بالمروحية إلى مدينة السليمانية بكردستان العراق.
وتابع:” بعد نجاح العملية الجراحية الأولى سُربت صورة للشهيد أبو ليلى على شبكة الأنترنت وهو جريح وشبه مشوّه، وكنا حريصين جداً على ألا تنشر هكذا صور، أو تعلم زوجته بالأمر، ولكن للأسف شاهدت زوجته الصور، قمنا بمتابعة مصدر الصورة وتبيّن أن الناشر شخص من عائلة الرئيس “الطالباني” في السليمانيّة، كان قد نشرها على حسابه على تويتر. كان الأولى ألا تنشر هكذا صورة في ذلك الحين لتأثيرها السلبي الكبير على معنويات مقاتلينا في الحملة، وبالمقابل رفع من معنويات العدو.
كان من المقرر عدم إعلان استشهاد أبو ليلى إلى ما بعد انتهاء الحملة، الوتيرة التي كان الرفاق يتقدمون بها كانت ستحرر منبج خلال شهر، ولولا تسريب هذه الصورة لما وقع هذا العدد من الشهداء وما طالت الحملة كل هذه المدة، تسريبها كان خاطئاً و تسبّب باستشهاد الكثير من الشباب، إعلان استشهاده قتل معنويات الرفاق في الحملة، وبسبب حسّ الانتقام الذي ولد عند بعض رفاق أبو ليلى في مجموعته وقع الكثير منهم شهداءً، فمثلاً حصل كثيراً أنهم كانوا قد تسللوا إلى قرية وقصفتهم طائرات التحالف بالخطأ بسبب الاستعجال.
أبو ليلى الذي جُرِح في الثاني من حزيران واستشهد في الخامس منه، كان كردياً بامتياز في تفكيره، والشعب الكردي بالمجمل مدّ يد العون في هذه المحنة للعائلة، كما عرضت حكومة الإقليم عليهم الذهاب للعيش هناك، فجاءت دعوة من السيّدة هيروخان طالباني تطلب منهم السفر، وستتكفل بكل شيء حتى يكبر الأبناء، وكذلك كان موقف السيّد نيجيرفان بارزاني، والرئيس مسعود بارزاني، لكن أم ليلى ترفض أن تترك خلفها دم أبو ليلى، وتغادر.